قواعد في أحكام وآداب الفتح على الإمام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين... وبعد،،،
فهذه مجموعة من الأحكام والآداب لمن يريد أن يفتح على إمامه في الصلاة جمعتها ورتبتها لما رأيت الحاجة إليها خاصة وأن كثيراً من الأئمة والمأمومين قد يعرض صلاته للبطلان بمخالفة هذه الأحكام والخروج عن هذه الآداب.
1) الصحيح من أقوال أهل العلم أنه يجوز الفتح على الإمام إذا نسي آية، لما رواه الإمام أحمد رحمه الله وأبو داود رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فترك آية، فقال له رجل: يا رسول الله آيةُ كذا وكذا؟ قال: [فهلا ذكرتنيها؟] (رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني في الصحيحة 802)
* ولما رواه أبو داود أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فقرأ فيها فتلبس عليه فلما انصرف قال لأبي: [أصليت معنا]؟ قال: نعم، قال: [فما منعك؟!] (رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني في الصحيحة 803)
* وقد روى البيهقي عن أنس رضى الله عنه قوله: [كنا نفتح على الأئمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم]..
وروى البيهقي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [إذا استطعمك الإمام فأطعمه] يعني الفتح عليه.. وجاء عن عدد من الصحابة والتابعين استحباب الفتح على الإمام.
2) ويجب أن تكون نية من يفتح على الإمام تذكيره إذا نسي، أو تصحيح ما أخطأ فيه، وأما إن نوى القراءة، فإن صلاته تبطل لقوله صلى الله عليه وسلم: [لعلكم تقرأون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم هَذّا يا رسول الله! قال: لا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها] (قال الألباني رواه البخاري في جزء القراءة وأحمد وأبو داود وحسنه الترمذي والدارقطني)
3) ولا يجوز المبادرة بالفتح على الإمام إذا سكت إلا إذا علم أن سكوته من أجل نسيان، وأما إذا سكت عند آية رحمة ليدعو، أو آية عذاب ليدعو فإنه لا يبادر، لحديث حذيفة قال: [صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى. فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها. ثم افتتح آل عمران فقرأها. يقرا مسترسلاً. إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ] (رواه مسلم)
(ومعنى مسترسلاً أي متمهلاً) وكذلك إذا سكت لالتقاط نفسه، أو لاستحضار ذهنه، فإنه لا يبادر بالفتح، ولذلك قال علماء الحنفية: "ينبغي للمأموم ألا يعجل الإمام بالفتح، ويكره له المبادرة بالفتح" (فتح القدير 1/283)
وكذلك قد يكون سكوت الإمام من أجل نخامة، أو جفاف حلق، أو انقطاع نفس، فالواجب إمهاله، وعدم مبادرته.
4) ولا يجوز لمن يصحح آية يرى أن الإمام أخطأ فيها أن يبادر بتصحيحها إلا إذا كان على ثقة من حفظه، ومخالفة الإمام للصواب فإن القرآن معظمه متشابه في اللفظ، وقد يأتي التشابه في آية بكاملها كقوله تعالى: {تلك أمة قد خلت، لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون}، كقوله تعالى: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} وقد يكون باختلاف في بعض الحروف كقوله تعالى: {ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل}، وقوله تعالى: {ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة} وقد يكون في التقديم والتأخير كقوله تعالى: {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى} وكقوله تعالى: {وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى}.. و ..
وكثيراً ما ينبري للرد والتصحيح من لا يكون على علم دقيق بالحرف الصحيح فيفسد على القارئ قراءته، ويتسبب في التشويش والتعويق.
5) ولا يجوز الرد والتصحيح للإمام إذا كان الإمام مجيداً وعلى علم بالقراءات، فقد يقرأ بقراءة غير ما يحفظه المأموم كأن يقرأ الإمام بقراءة ورش، والمأموم لا يعلم إلا قراءة حفص مثلاً، وكذلك قد يجمع الإمام بين قراءتين أو أكثر في صلاته فإن هذا جائز ما دام أن القراءة متواترة.
ومعنى هذا أنه لا يجوز لمن يصحح للإمام أن يرد إلا إذا علم يقيناً أن الحرف الذي أخطأ فيه الإمام ليس حرفاً متواتراً، أو علم أن الإمام لا يعرف إلا قراءة واحدة من القراءات المتواترة، وبذلك يكون تجاوزه عنها خطئاً، والدليل على ذلك ما رواه الإمام البخاري بإسناده إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها، وكدت أن أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته بردائه فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ على غير ما أقرأتنيها. فقال لي: أرسله، ثم قال له: إقرأ فقرأ: قال: هكذا أنزلت. ثم قال لي: اقرأ. فقرأت. فقال: هكذا أنزلت، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فأقرأوا منه ما تيسر]. (متفق عليه)
وفي هذا الحديث من الفقه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر عمر على سكوته وقد سمع قراءة مخالفة لما تعلمه، ولم يرد على حكيم بن حزام حتى انتهى من صلاته، وأن كل حرف من القرآن كان ثابتاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قرئ به، ولا يجوز إنكاره على من قرأ به.
ومعلوم أن عثمان رضي الله عنه جمع الناس على حرف واحد حتى لا يختلفوا في القرآن، وقد أجمع المسلمون على ذلك، وبقي الاختلاف في القراءة فيما يحتمله رسم المصحف العثماني، ونقل عن النبي صلى الله عليه وسلم تواتراً.
6) الذي له الحق في الرد علي الإمام هو الذي يصلي بجواره أو الذي يليه من خلف ظهره، وأما من كان في مكان بعيد عن الإمام فانه لا يجوز له الفتح علي الإمام وأما إذا أيقن المأموم أن صوته لا يصل إلي الإمام فانه يحرم عليه الفتح والرد وقد تبطل صلاته بذلك.
7) لا يجوز أن يتولى الرد والتصحيح، والفتح على الإمام اكثر من واحد في وقت واحد لأن هذا يؤدي إلى اختلاط الأصوات والتشويش على الإمام والمصلين، ويجب أن يترك الأقل حفظاً، وعلماً لمن هو أحفظ منه وأعلم.
لا يجوز للمرأة إذا صلت خلف الرجال أن تفتح على الإمام، ولا أن تصحح له، وهذا مما لا خلاف فيه وذلك أنها منعت من التسبيح تنبيهاً للإمام لئلا يخرج صوتها في الصلاة فمن باب أولى الفتح عليه والله اعلم..
9) لا يجوز للمأموم أن يحمل مصحفا لمتابعة الإمام والتصحيح له وذلك انه في صلاة، وليس في تعليم وتعلم، ثم أن الحركة بحمل المصحف، وفتحه عند القراءة وإغلاقه بعد ذلك ينافي عمل الصلاة.. والله اعلم.
وأما ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا عيسى بن طهمان قال حدثني ثابت البناني قال: (كان انس يصلى وغلامه يمسك المصحف خلفه فإذا تعايا في آية فتح عليه).. فإنه ليس في هذا الأثر أن غلام أنس كان يصلى معه.
وكان أنس بن مالك رضى الله عنه قد كبر سنه، وعمى، ولعله كان يصلى وحده في منزله فكان يفعل ذلك حتى يتابع القراءة وهو في الصلاة وهذا يخالف ما يفعله كثير من الناس اليوم حيث ينشرون مصاحفهم وهم وقوف في الصلاة خلف إمامهم، وهذا أشبه بفعل أهل الكتاب منه بصلاة أهل الإسلام. والله اعلم.
10) يجب أن تكون نية من يفتح على الإمام أو يصوب خطأه أنه يفعل ذلك إخلاصاً لله وتعبداً له وأما إذا كان يفعله رياءاً وسمعة ليرى الناس أنه حافظ، فإنه بهذا يحبط أجره، وقد تبطل صلاته تبعا لذلك.
*****************
اتمنى الفائده للجمييييييييع